قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول الأسبوع الماضي إن صانعي السياسة النقدية يراقبون عن كثب التضخم في الإسكان، والذي لم يعد بعد إلى وضعه الطبيعي بالكامل، إذ قد يتطلب الأمر أكثر من عام لتحقيق ذلك وفقًا لبيانات جديدة صدرت عن الفيدرالي الأمريكي.

من ناحية أخرى، لا يزال سوق العمل الأمريكي يضيف ضغوطًا تضخمية، وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه في عامي 2022 و2023، وفقًا لبحث نشره الفيدرالي الأمريكي أيضًا.

تضخم المساكن

وفقًا لدراسة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، قد يستغرق الأمر حتى منتصف عام 2026 ليتراجع تضخم الإيجارات في مؤشر أسعار المستهلكين إلى مستوياته الطبيعية قبل الجائحة. وعلى الرغم من أن العديد من المؤشرات تشير إلى أن الإيجارات الجديدة تحديدًا بدأت في الانخفاض، إلا أن عددًا أقل من الأشخاص ينتقلون ويوقعون عقود إيجار جديدة، مما يجعل العينة المستخدمة في حساب مؤشر أسعار المستهلكين لا تعكس بشكل كامل هذه التحركات، حسبما أفاد الباحثون.

يُعتبر الإسكان أكبر فئة في مؤشر أسعار المستهلكين، وقد ساهم بأكثر من نصف الزيادة الشهرية في أكتوبر. وإذا ظل هذا المؤشر مرتفعًا لمدة عام ونصف كما يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، فسيشكل ذلك تحديًا لصانعي السياسات الذين يستندون إلى التقدم في خفض التضخم كحجة رئيسية لخفض أسعار الفائدة.

وقال عمير شريف، رئيس شركة Inflation Insights LLC: تضخم الأسعار الظاهري، حتى وإن كان مدفوعًا ببيانات متأخرة مثل الإيجارات، يصعّب خفض أسعار الفائدة. وأضاف: لقد شهدنا بالفعل معارضة واحدة من أعضاء الفيدرالي بشأن خفض الفائدة، وأعتقد أنه في ظل ارتفاع التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين قد يزداد المعارضين.

كان شريف يشير إلى ميشيل بومان، التي صوتت ضد خفض الفائدة بمقدار نصف نقطة في سبتمبر لصالح تخفيض أصغر، مما شكل معارضة نادرة من عضو في مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وعلى الرغم من أن صانعي السياسات قرروا بالإجماع خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة هذا الشهر، إلا أن التوقعات لشهر ديسمبر وما بعده ما تزال غير واضحة.

تحدث باول الأسبوع الماضي في حدث في دالاس، مشيرًا إلى أن قوة الاقتصاد الأمريكي تمنح المسؤولين فرصة لخفض تكاليف الاقتراض بحذر. وأضاف أنه سيكون من الحكمة المضي قدمًا ببطء في تخفيض أسعار الفائدة إذا سمحت البيانات الاقتصادية بذلك.

يستهدف الاحتياطي الفيدرالي التضخم بناءً على مؤشر منفصل، وهو مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، والذي لا يمنح نفس الوزن للإسكان، وهو ما يجعله أقرب إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. ولكن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي يعتمد على مؤشر أسعار المستهلكين في حساب تدابيره للإسكان، لذا فإن التأخير يمكن أن يؤثر على المؤشرين.

وقال مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في بنك JPMorgan Chase & Co: إذا اتجه نحو الارتفاع بحيث يتم تجاوز نسبة 3%، فإن ذلك سيعقد الأمور بشكل كبير. 

كان فيرولي يشير إلى مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة، وارتفع بنسبة 2.7% خلال العام حتى سبتمبر. ويتوقع الاقتصاديون أن يرتفع إلى 2.8% عندما يتم إصدار بيانات أكتوبر في وقت لاحق من هذا الشهر.

تم تصميم مؤشر أسعار المستهلكين لقياس التضخم للمستهلك العادي، حيث يأخذ في عين الاعتبار زيادات الإيجارات لجميع المستأجرين، سواء كانوا يجددون عقود الإيجار الحالية أو يوقعون عقودًا جديدة. وعلى الرغم من أن المقاييس الحالية لشركات مثل Zillow Group Inc. وApartment List تشير إلى أن نمو الإيجارات قد تباطأ أو حتى انخفض في الأشهر الأخيرة، فإن مؤشر أسعار المستهلكين يتبع هذه الاتجاهات بفارق زمني.

سوق العمل يفاقم الضغوط التضخمية

من ناحية أخرى، لا يزال سوق العمل الأمريكي يضيف ضغوطًا تضخمية، وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه في عامي 2022 و2023، وفقًا لبحث نُشر يوم الاثنين من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو. 

كتب اقتصاديّا الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، ريجيس بارنيشون وآدم هيل شابيرو، في أحدث بيان اقتصادي للبنك الفيدرالي: ساهم انخفاض الطلب المفرط على العمالة في خفض التضخم بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية تقريبًا خلال العامين الماضيين. وأضافا: مع ذلك، استمر الطلب المرتفع في المساهمة بنسبة 0.3 إلى 0.4 نقطة مئوية في التضخم حتى سبتمبر 2024. 

هذا الاكتشاف، المستند إلى تحليل العلاقة بين التضخم وقوة سوق العمل كما يُقاس بنسبة الوظائف الشاغرة إلى الباحثين عن عمل، يمكن أن يساعد صانعي السياسات في الاحتياطي الفيدرالي في تقييم مدى الحاجة إلى خفض تكاليف الاقتراض قصيرة الأجل وتحديد السرعة المناسبة لذلك.

بدأ الاحتياطي الفيدرالي في خفض معدل سياسته النقدية في سبتمبر استجابة لتباطؤ التضخم وهدوء سوق العمل. وبعد خفض ثانٍ في وقت سابق من هذا الشهر، أصبح المعدل الآن يتراوح بين 4.50% و4.75%. يعتقد المصرفيون المركزيون في الولايات المتحدة أن هذا المستوى مرتفع بما يكفي لتقييد الاقتصاد، لكن هناك خلافًا داخليًا واسع النطاق حول مدى تأثير هذا التقييد، وبالتالي حول توقيت وحجم أي خفض إضافي.

كان رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي يتابع عن كثب الانخفاض الحاد في نسبة الوظائف الشاغرة إلى الباحثين عن عمل، قد قال إنه يعتقد أن الطلب على العمالة بات قريبًا من التوازن مع العرض، وأن سوق العمل لم يعد مصدرًا كبيرًا للضغوط التضخمية.

تشير أبحاث الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو إلى أن سوق العمل لا يزال يمثل مصدرًا للتضخم، الذي يقدّره باول بنسبة 2.3% في أكتوبر وفقًا للمقياس المستهدف من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وبنسبة 2.8% وفقًا لمقياس يستبعد الغذاء والطاقة، ويُستخدم لقياس الضغوط التضخمية الأساسية. حيث يهدف الاحتياطي الفيدرالي إلى تحقيق تضخم بنسبة 2%.