زاد التفاؤل خلال شهر فبراير الماضي حيال آفاق نمو الاقتصاد العالمي، خاصة في الولايات المتحدة، في ظل آمال التخفيف التدريجي للتدابير الاحترازية لاحتواء جائحة كورونا وتبني السياسات النقدية والمالية التيسيرية وما سيترتب على ذلك من انتعاش اقتصادي قوي في النصف الثاني من عام 2021.
وإلى جانب ذلك، بحسب تقرير بنك الكويت الوطني الصادر اليوم الاثنين، شهدت الأسواق المالية وخاصة أسواق السندات تقلبات حادة بعد أن بدأت في تسعير امكانية رفع معدلات الفائدة وتزايد معدلات التضخم.
وتدرك البنوك المركزية مخاطر ارتفاع عائدات السندات وما قد يترتب على ذلك من إعاقة وتيرة النمو الاقتصادي قبل التمكن من خفض معدلات البطالة المرتفعة، وقد تسعى لمعالجة تلك التحركات في اجتماعات السياسات النقدية المقبلة (البنك المركزي الأوروبي بدأ بالفعل باتخاذ بعض الإجراءات خلال شهر مارس).
ومن جهة أخرى، واصلت أسعار النفط صعودها على مدار أربعة أشهر متتالية ولامس سعر مزيج خام برنت حاجز الـــ 70 دولارا للبرميل في أوائل مارس، مدعوماً ليس فقط بتزايد آمال النمو الاقتصادي، بل أيضاً بفضل جهود تمديد تخفيضات الإمدادات بقيادة السعودية.
إقرار حزمة التحفيز المالية الأمريكية
في دفعة كبيرة لآفاق النمو الاقتصادي، أقر الكونجرس الأمريكي حزمة التحفيز المالية الضخمة التي وقعها الرئيس بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار (8-9% من الناتج المحلي الإجمالي). علماً بأنه لن يتم ضخ المبلغ بالكامل هذا العام، بل المقرر استخدام أكثر من النصف - بما في ذلك إصدار شيكات تحفيزية بقيمة 1400 دولار للأفراد وتمديد اعانات البطالة بقيمة 300 دولار أسبوعياً حتى سبتمبر - والتي سينعكس أثرها على الاقتصاد بصورة سريعة، مما يعزز الإنفاق الاستهلاكي على وجه الخصوص.
وبدأت معدلات الثقة تجاه الانتعاش الاقتصادي تكتسب المزيد من الزخم في ظل تراجع الإصابات اليومية الجديدة بالفيروس إلى أدنى مستوياتها في خمسة أشهر منذ بداية شهر مارس الجاري، كما تم تلقيح معظم كبار السن وتخفيف بعض القيود على مستوى الولايات الأمريكية المختلفة.
هذا إلى جانب بداية انتعاش سوق العمل في ظل ارتفاع الوظائف غير الزراعية وتخطيها توقعات المحللين البالغة 379 ألف وظيفة في فبراير الماضي بعد التراجع الذي شهدته في ديسمبر، مع تسجيل القطاعات الأشد تضرراً من تداعيات الجائحة مثل قطاع الضيافة مكاسب قوية. إلا أنه لا يزال هناك حوالي 10 ملايين من أصل 22 مليون وظيفة فقدت بسبب الجائحة ولم يتم تعويضها بعد.
ومن جهة أخرى، تسارعت وتيرة نمو عائدات السندات الحكومية على خلفية تحسن توقعات الانتعاش الاقتصادي، إذ قفز عائد السندات لأجل 10 سنوات إلى 1.55% في بداية شهر مارس مقابل 1.0% في أواخر يناير.
وقد يمثل ذلك مصدراً للأمل والقلق في ذات الوقت للاحتياطي الفيدرالي، إذ يشير من جهة إلى ثقة السوق تجاه عودة الظروف الاقتصادية إلى طبيعتها، إلا أنه في المقابل يشير أيضاً إلى مخاطر تشديد السياسات المالية قبل الأوان وهو الأمر الذي قد يكون خارج عن سيطرة البنك المركزي.
كما يعكس هذا الارتفاع أيضاً مخاوف تجاه زيادة التضخم (1.4% على أساس سنوي وفقاً لمؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في يناير) في ظل تحسن الأوضاع الاقتصادية مما يؤدي لخسارة مستثمري السندات.
وإذا واصلت عائدات السندات ارتفاعها أو كان أدائها غير منضبط، فقد يتخذ الاحتياطي الفيدرالي بعض الإجراءات لخفض العائدات مرة أخرى، إما من خلال التعهدات الشفهية أو عبر شراء الأصول بوتيرة أسرع أو اتخاذ سياسات تستهدف عائدات السندات مباشرة، على الرغم من استبعاد الاجراء الأخير في الوقت الحالي.
كما قد يتطرق رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول إلى تلك القضية من خلال الحديث عن التهديدات التضخمية في اجتماع البنك المقبل والمقرر انعقاده في 16 إلى 17 مارس.
أوروبا تعاني من ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس وتزايد الخلافات التجارية بعد البريكست
ارتفعت الإصابات الجديدة بفيروس كورونا في بعض دول منطقة اليورو بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وألمانيا خلال الشهر الماضي، بالإضافة إلى طرح برامج اللقاحات بوتيرة بطيئة نسبياً مما يهدد بإلغاء إمكانية رفع إجراءات الاغلاق الحالية أو حتى عكسها، مما قد يعيق الانتعاش الاقتصادي لهذا العام.
وكشفت البيانات الصادرة مؤخراً عن صمود مستويات النشاط الاقتصادي بشكل أفضل في ظل القيود المفروضة في عام 2021 مقارنة بتلك التي تم فرضها في النصف الأول من عام 2020 نظراً لتكيف أنشطة الأعمال بصورة أفضل، إضافة إلى سياسات الدعم بما فيها تلك الموجهة لدعم المستهلك.
واستقر مؤشر مديري المشتريات المركب عند مستوى 48.8 في فبراير، مما يمثل انكماشاً هامشياً بصفة عامة في ظل ضعف التركيز على قطاع الخدمات (45.7) بينما وصل مؤشر القطاع الصناعي (57.9) إلى أعلى مستوياته المسجلة في أكثر من ثلاثة أعوام.
وبصفة عامة، تبدو تلك البيانات متوافقة مع حدوث الركود المزدوج، وتشير آراء المحللين إلى إمكانية تراجع الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بحوالي 1.0% على أساس ربع سنوي في الربع الأول من عام 2021 بعد تراجعه بنسبة 0.7% في الربع الرابع من عام 2020، ليكون بذلك مستوى الناتج المحلي الإجمالي أقل بحوالي 6% عن مستويات ما قبل الجائحة.
وكما كان متوقعًا، أبقى البنك المركزي الأوروبي على سياسته النقدية دون تغيير على نطاق واسع، لكنه، وعد بتكثيف وتيرة مشترياته من السندات خلال الربع القادم لمواجهة الارتفاع الأخير في عائدات السندات الحكومية ودعم التوقعات الاقتصادية.
الأمر الذي ساعد في خفض العائدات قليلاً، رغم أن البنك لم يعلن عن تقديم المزيد من الدعم المرجو مثل استهداف العائدات أو زيادة حجم برنامج شراء السندات البالغ 1.85 تريليون يورو، مما يعني ضمناً أن عمليات الشراء الحالية ستنتهي قريبًا.
وكشف البنك أيضًا عن توقعاته الاقتصادية المحدثة، إذ تم رفع توقعات النمو في عام 2021 جزئيًا من 3.9٪ في ديسمبر إلى 4.0٪ بفضل تحسن النتائج بوتيرة أفضل من المتوقع في الربع الأخير من العام وتعديل التضخم صعوداً من 0.5٪ إلى 1.5٪.
وفي المملكة المتحدة، استمر التفاؤل ازاء الانتعاش الاقتصادي في التحسن على مدار الأسابيع الأخيرة بفضل انخفاض حالات الإصابة بالفيروس وسرعة طرح اللقاحات والبدء في تخفيف التدابير الاحترازية من منتصف مارس بالإضافة إلى اكتمال خطوات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ولم تنعكس تأثيرات تلك العوامل فقط على عائدات السندات الحكومية التي ارتفعت بشكل حاد، بل امتدت ايضاً لأداء الجنيه الإسترليني وعززت من ارتفاعه أمام الدولار إلى أعلى مستوياته المسجلة في ثلاثة أعوام وصولاً إلى 1.40 دولار في بداية شهر مارس.
كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي في يناير بأقل من التوقعات بعد إعادة فرض تدابير صارمة جديدة لاحتواء الفيروس وبنسبة 2.9٪ على أساس شهري. وعلى صعيد آخر، تضمنت ميزانية وزير المالية ريشي سوناك مزيداً من الدعم الاقتصادي على المدى القريب - بما في ذلك تمديد خطة دعم العمالة من أبريل إلى سبتمبر - وتأجيل مناقشة قضية العجز المالي الكبير لوقت لاحق.
وستشمل الزيادات الضريبية تجميد الإعفاءات الضريبية الشخصية في عام 2022 وزيادة ضريبة الشركات إلى 25% في عام 2023 مقابل 19% في الوقت الحالي. وسيصل العجز المالي إلى 17% من إجمالي الناتج المحلي هذا العام قبل أن يتقلص إلى 3% في السنة المالية 2025/2026، بينما سيبلغ مستوى الدين ذروته بنسبة 110% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2023/2024.
وعلى الرغم من التوقعات الإيجابية لأنشطة الأعمال في المملكة المتحدة بصفة عامة، إلا أن الانتقال إلى الترتيبات الجديدة لما بعد انفصالها عن الاتحاد الأوروبي اعتباراً من يناير قد أثر على التجارة عبر الحدود، إذ انخفضت الصادرات الفرنسية إلى المملكة المتحدة بنسبة 13% في يناير مقارنة بمتوسط الستة أشهر السابقة، وتراجعت الواردات بنسبة 20%، بينما انخفضت الصادرات الألمانية إلى المملكة المتحدة بنسبة 30% على أساس سنوي.
ويعزى هذا التراجع بصفة رئيسية إلى التأخيرات الناجمة عن المتطلبات الجمركية الجديدة، على الرغم من أن تلك الاضطرابات يمكن ربطها أيضاً بالقيود الجديدة المتعلقة باحتواء الفيروس في المملكة المتحدة والتي تم تطبيقها في نفس الوقت، بالإضافة إلى بناء المخزونات قبل انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي بنهاية العام الماضي. ومن المقرر أن تخف الضغوط خلال الأشهر المقبلة في ظل الاعتياد على النظام الجديد.
إلا أن الإشكالية على المدى الطويل بالنسبة للعلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تتمثل في استدامة الترتيبات المتعلقة بإيرلندا الشمالية في ظل قيام المملكة المتحدة باتخاذ قرار أحادي لتمديد فترة السماح للشركات بالتكيف مع الترتيبات التجارية الجديدة بين بريطانيا وإيرلندا الشمالية مما أثار غضب الاتحاد الأوروبي وتعهده بالرد من خلال القنوات القانونية.
وقد تؤدي الأجواء المشحونة بالخلافات إلى تزايد صعوبة عقد الصفقات في مجالات هامة مثل الخدمات وخاصة تجارة الخدمات المالية خلال الأشهر القادمة.
تقييد الأوبك وحلفائها للإمدادات يقفز بالنفط إلى 70 دولارًا
أدى قرار تحالف الأوبك وحلفائها بقيادة السعودية بتمديد خفض حصص إنتاج النفط في أبريل لمدة شهر واحد على الأقل إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها المسجلة منذ عام 2019.
وأنهى مزيج خام برنت تداولات الشهر مغلقاً عند مستوى 69.4 دولاراً للبرميل، قبل إطلاق الحوثيين صاروخاً على منشآت النفط السعودية في بداية شهر مارس، الأمر الذي دفع خام النفط المرجعي مؤقتاً فوق حاجز الـ 70 دولاراً اثناء جلسة التداول اليومية.
وكان سعر مزيج خام برنت قد ارتفع بنسبة 10% خلال فبراير وحده، فيما يعد أفضل أداءً يشهده منذ مايو الماضي مما يعكس إمكانية تحقيق انتعاش اقتصادي بفضل طرح اللقاحات ونمو الطلب على النفط هذا العام على خلفية تخفيض الأوبك وحلفائها لحصص الإنتاج وتبني برامج تحفيز الاقتصاد العالمي.
وبموجب شروط اتفاقية الأوبك وحلفائها، فقد تقرر تمديد خفض الإنتاج بمقدار 8 مليون برميل يومياً - أي ما يعادل 8% من الإمدادات قبل الجائحة – لمدة شهر إضافي حتى مايو، باستثناء روسيا وكازاخستان (بإجمالي +150 ألف برميل يومياً).
فاجأ قرار الأوبك وحلفائها الأسواق التي كانت تتوقع أن تستجيب المجموعة لتقييد الامدادات وانخفاض مستويات المخزون من خلال زيادة الانتاج. وعلى أقل تقدير، كان من المتوقع زيادة الإنتاج بواقع 500 ألف برميل يومياً وكان التساؤل الوحيد ما إذا كانت السعودية ستقرر في ابريل التراجع تدريجياً أم دفعة واحدة عن خفضها الطوعي للإنتاج البالغ مليون برميل يومياً.
وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد حث على توخي الحذر واليقظة لعدة أشهر في ظل حالة عدم اليقين تجاه نمو الطلب على النفط واستمرار تفشي الجائحة. وكانت تلك النتيجة هي أكثر السيناريوهات تفاؤلاً ضمن مجموعة الخيارات التي جرى طرحها قبل الاجتماع.
وتتوقع المجموعة على المدى القريب أن يشهد الطلب على النفط فترة من الضعف وتراكم المخزونات بسبب موسم أعمال الصيانة في فترة الربيع قبل أن يتعافى نمو الطلب على النفط قبل الصيف.
من جهة أخرى، تم رفع توقعات أسعار النفط لتتراوح في نطاق 65-75 دولاراً للبرميل، على الرغم من إمكانية عدم استمرار تلك الظروف المواتية إلى ما بعد المدى القريب، نظراً للاحتمال شبه المؤكد بقيام الدول الأعضاء وغير الأعضاء بمنظمة الأوبك بزيادة الإمدادات.