ارتفعت أسهم أكبر البنوك في أوروبا هذا الأسبوع إلى أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية، مدفوعةً بارتفاع حاد في معدلات الفائدة طويلة الأجل، ما عزز أرباحها بشكل كبير.

وقد شهدت البنوك الكبرى نهضة لافتة، إذ سجل سهم «إتش إس بي سي» المدرج في بورصة لندن مستوىً قياسياً قبيل إعلان نتائج البنك هذا الأسبوع، كما بلغت أسهم «باركليز» و«سانتاندير» أعلى مستوياتها منذ عام 2008، فيما لامس سهم «يوني كريديت» الإيطالي أعلى مستوياته منذ 2011.

ويمثل هذا الارتفاع تحولاً بارزاً في أداء أحد أكثر القطاعات كراهية في أوروبا، والذي عانى طويلاً من تبعات الأزمات السابقة وصعوبة المنافسة مع نظرائه في الولايات المتحدة، بحسب صحيفة فايننشال تايمز.

وقال جاستن بيسيكر، محلل شؤون البنوك الأوروبية لدى شركة «شرودرز» لإدارة الأصول: «لقد تحولت بنوك أوروبا من منبوذة إلى محبوبة في السوق».

وأضاف بيسيكر أن مزيجاً من «الأثر التحويلي لارتفاع معدلات الفائدة على الإيرادات»، والظروف الاقتصادية المواتية، والتدابير المتخذة لتحسين الكفاءة، قد ساهمت جميعها في دعم أداء المصارف.

وعلى الرغم من تراجع سهم «إتش إس بي سي» إلى أعلى مستوى له منذ عام 2001 بعد أن جاءت نتائج الربع الثاني دون توقعات المحللين، والانخفاض الحاد الذي شهدته أسهم البنوك يوم الجمعة بعد أن فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية على عشرات الدول، فإن أسهم البنوك المدرجة على مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي لا تزال مرتفعة بنسبة 34% منذ بداية العام، متفوقةً على نظيراتها الأميركية، وتكاد تتجاوز عوائدها المسجلة في عام 2021، كما أنها تسير في اتجاه تحقيق أفضل أداء سنوي منذ عام 2009.

 

تفاؤل اقتصادي وتقييمات منخفضة

 

يواصل المستثمرون ضخّ استثماراتهم في أسهم البنوك الأوروبية، مدفوعين بتنامي التفاؤل حيال الأداء الاقتصادي في المنطقة، وتحسّن توقعات محافظ القروض، إلى جانب تقييمات أقل من نظيراتها الأميركية مثل «جي بي مورغان تشيس» و«غولدمان ساكس».

وبحسب بيانات «فاكت ست»، فإن العديد من البنوك الأوروبية لم تستعد تقييماتها إلا مؤخراً لتتساوى مع القيمة الدفترية، مقارنةً بنسبة 2.4 ضعف القيمة الدفترية لبنك «جي بي مورغان» وضعف القيمة الدفترية لـ«غولدمان ساكس».

وقال لوكا باوليني، كبير استراتيجيي الاستثمار في «بيكتيه لإدارة الأصول»: «أسهم البنوك الأوروبية رخيصة وتتمتع بوضع فريد للاستفادة من انتعاش الطلب المحلي».

وكانت البنوك الأوروبية تعاني من نقص في رؤوس الأموال قبل الأزمة المالية، مما دفعها خلال السنوات التالية إلى تعزيز احتياطيات رأس المال بموجب المتطلبات الرقابية، وهو ما قيد توزيعات الأرباح على المساهمين. في الوقت نفسه، أدى عقد كامل من معدلات الفائدة الصفرية أو السالبة إلى صعوبة تحقيق الأرباح.

غير أن الوضع تغيّر بعد جائحة «كوفيد-19»، حين بدأت البنوك المركزية في رفع معدلات الفائدة لكبح التضخم، بالتزامن مع إنهاء برامج شراء السندات الواسعة النطاق.

وقد ارتفعت معدلات الفائدة طويلة الأجل بشكل ملحوظ، إذ تجاوزت عوائد السندات الألمانية لأجل 30 عاماً نظيرتها لأجل عامين بمقدار 1.3 نقطة مئوية، بعدما كانت أقل قبل عامين فقط. أما في المملكة المتحدة، فقد تجاوز الفارق 1.5 نقطة مئوية.

وقد أسهم هذا التحول في تحقيق قفزة كبيرة في صافي دخل الفائدة للبنوك —أي الفارق بين العوائد المحققة من القروض والأصول الأخرى، والتكلفة المدفوعة على الودائع— وهو ما مثّل محركاً رئيسياً للربحية. كما استفادت البنوك التي لديها أنشطة تداول من موجة التقلبات الكبيرة في الأسواق الناجمة عن السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

 

 غياب محركات جديدة للنمو

 

لا تزال قدرة البنوك الأوروبية على مواصلة هذا الأداء القوي في ظل غياب دعم ارتفاع معدلات الفائدة طويلة الأجل أمراً غير مختبَر. ورغم أن عدداً من المصارف عزز أنشطة مثل إدارة الثروات بهدف تقليل الاعتماد على تقلبات الفائدة، فإن المعارضة السياسية لعمليات الاندماج —مثل عرض «بي بي في إيه» للاستحواذ على «ساباديل» ومحاولة «يوني كريديت» للاندماج مع «بي بي إم»— تُعدّ من العوامل التي تحدّ من إمكانات نمو القطاع.

وقال فرانشيسكو ساندّريـني، رئيس استراتيجيات الأصول المتعددة على مستوى العالم في «أموندي»: «تبدو البنوك الأوروبية كأنظف قميص في سلّة متسخة، لكن هناك شعوراً متزايداً بأن الأفضل قد أصبح خلفنا».

وأضاف: «الاندماج القطاعي، الذي طال انتظاره، لا يزال بعيداً عن أن يكون المحفّز الذي عوّل عليه الكثير من المحللين».

 

ويشير المستثمرون إلى أن أسهم البنوك الأوروبية لا تزال تُتداول عند مضاعف ربحية مستقبلي يبلغ 10 مرات، مقارنةً بأكثر من 13 مرة للبنوك الأميركية. كما أن العائد على حقوق الملكية الملموسة —وهو أحد المؤشرات الأساسية لربحية البنوك— بات يتجاوز 10% لدى كثير منها، وهو مستوى مريح.

وقال جاستن بيسيكر من «شرودرز»: «الخبر الجيد هو أن تقييمات البنوك الأوروبية لا تزال منخفضة مقارنةً بنظيراتها حول العالم»، مضيفاً أن «المزيد من التقارب يبدو مرجّحاً».