ليس بالتمويل وحده تحيا الاستثمارات و تتحقق الثروات ولكن بتراكم الوعى شيئا فشيئا ... و يختلف الناس فى تسمية وتصنيف الوعى كل حسب بيئته ووجهة نظره .. فهناك من يسميه ثقافة ، فكرة ، خبرة ، فرصة ، معلومة حتى يتشكل كيان الوعى كله.

إعلاميا المعلومة مصدر القوة و مهنيا تحليل المعلومه قبل التصرف على اساسها يجعلها اكثر قوة ... ولا شئ اصعب فى الاستثمار من لعبة الكراسى الموسيقية ... فحين تكسب مقعدا يجب ان تلتزم بالمهارة والسرعة للحفاظ عليه لأخر اللعبة، وحين تفقده تصير خارج اللعبة فى انتظار فرصة دخول اخرى القرار فيها اغلبه ليس ملك يديك.

كل ما سبق للاسف هو المشهد التاريخى المتكرر مع اغلب المستثمرين الذين يملكون مالا ويلعبون دورا ثانويا فى الاستثمار الكلى معتمدين على حجم المحفظه وليس قوة الوعى ... و على سبيل المثال لو تجولنا فى صالات التداول فى البورصات وسألنا اى مستثمر سؤالا بسيطا ... ما هو الفرق بين المال و النقود ؟! 

لتعثر فى الاجابه و اختلط عليه الامر .... المال يا سيدى هو اى شئ قابل للبيع والشراء فيتحول الى اوراق نقدية ... اما النقود هى رصيدك او ما تمسكه بين يديك لتشرى بها ما شئت من بيت او بضاعة او ملابس او اسهم فتتحول بين يديك الى مال ... ولنا ان نقيس على ذلك الفرق بين السعر والثمن والقيمة ... يظنها البعض بديهيات او جزء من تنوع مفردات اللغة فيتجاوزها الكثيرين بحثا عن الربح الجاهل وإن حققه ينتقل بعدها للخسارة ويدور فى دائرة الحظ والظروف ويخرج منها على احسن تقدير برأس ماله كما هو بعد فترة زمنيه لم تضف اليه شيئا .... هذا إن لم يخسر جزء او كل رأس المال كالعاده ...

اذن لابد من فهم الترتيب و التأثير الحقيقى للأشياء فى النظام العالمى هكذا ( الوعى - السياسة - الاقتصاد ) ...و المثل الحى على ذلك هو مستوى التعليم فى الولايات المتحده الامريكيه فإن مادة الديموقراطية تدرس الزاميا لجميع الطلاب حتى الجامعة مهما كانت تخصصاتهم العلميه ليتشكل الوعى العام لجموع المواطنين و يشاركوا بفاعلية فى الاحداث من حولهم و ينبهر العالم المنقسم فى وصفه لما يحدث اعجابا و استنكارا ،  وهذا من اسباب استمرار قوة امريكا سياسيا و اقتصاديا ...

فهناك من يظن ان الاقتصاد هو من يحرك السياسة و هذا خطأ شائع والدليل ان بتصريح سياسى واحد تتغير اسعار الاسهم والنفط وغيرها .... ولكن الى اى قوة يستند هذا التصريح ؟!

انها قوة الوعى المنتشر ... فأغلبنا لم يتأكد و يطلع بعينيه على المخزونات القياسية النفطية الامريكية مثلا ولا نطالب بذلك طبعا،  و لم نعرف حتى الان مصدر تفاؤل الرئيس ترامب بشأن اتفاق تجارى محتمل مع الصين سوى تصريحات متباينة من الجانبين  ... ولكن تحركنا المعلومات الاتية من التقارير المكتوبة بإسلوبهم و المصدرة من اعلامهم والمحللة منهم، لنتلقفها نحن ونتعامل بها فى اسواقنا بعشوائية لحظية دون فهم واسع و تحليل دقيق وربط حقيقى بقطاعات الاستثمارات المختلفه، فطبيعى ان تتأثر اسهم قطاع الطاقه بتحركات اسعار النفط و لكن من غير الطبيعى ان تتأثر بنفس النسبه اسهم قطاع الاسكان مثلا ! ..

كما ان نسبة تداولات الاجانب فى البورصات العربيه لا تتعدى 35% سنويا على اقصى تقدير ... و كذلك التاثر المباشر بأزمات بريكست و الحروب التجارية و نمو الصين و تفاعلات الاسواق العالميه يكون تأثيره علينا لحظى و اعمق و اكبر من اصحاب الازمة نفسها و هذا غير معقول ابدا... 

ومن يتهم الاسواق العربيه بأنها هشه فهى فعلا كذلك ولكن ليست هشـــاشة مالية بقدر ما هى هشـــاشة فى الوعى العام لشريحه ضخمه من المتعاملين .

فحالة الجهل الاستثمارى يستغلها صناع الاسواق لمضاعفة مكاسبهم مرات و مرات و ايضا لمسح الكثير من المحافظ بضعف وعى اصحابها مهما كانت قوتها المالية .. وعليه فإن وجود و تفعيل ادارة الوعى المالى فى اى مؤسسة استثمارية مهما كان نشاطها هو امر ضرورى للبقاء، هذا الامر يخفف على الاقل من فوضى القرارات وحرق المليارات ... ويحب ان نعى جيدا ان المال مشحون نفسيا وعاطفيا قبل قيمته المادية، فالدراسه العلميه لتنمية الوعى يجب ان تتضمن الشق النفسى بجانب طرق تعظيم الارباح ... 

واخيرا ... تبقى تكلفة صناعة الوعى المالى اقل ثمنا واكبر اثرا واعظم فائدة من اى هامش ربح حالى تبتلعه خسارة تالية وتأكل اصله فى النهاية .