فى مايو 2018 طلب الرئيس دونالد ترامب من وزارة التجارة الامريكية أعداد تحقيقا أستقصائيا عن أثر الواردات على الأمن القومى للولايات المتحدة ... و أستمر التحقيق مع أشارات ترامب لفرض تعريفات جمركية على واردات الاتحاد الاوروبى من السيارات أسوة بتعريفاته على واردات الصين التى تراجع عن بعضها مؤقتا خلال الهدنة التجارية التى شارفت على الانتهاء 

 

فى نوفمبر 2018 تزامنا مع الانتخابات النصفية الامريكية رفعت وزارة التجارة اولى تقاريرها عن الواردات لادارة ترامب و فروع الحكومة المختصة ، إلا سيد البيت الابيض طالبهم بالمزيد من التحقيق و تسليم التقرير النهائى فى 18 فبراير 2019 ، لأتخاذ قرار فى خلال 90 يوم بشأن فرض تعريفات جمركية على واردات السيارات من اليابان و كوريا الجنوبية و الاتحاد الاوروبى تحديدا لتحقيق هدفين ... الأول رفع معدل التوظيف الامريكى ، و الثانى خفض العجز التجارى مع الاتحاد و حثه على تخفيف موانعة التجارية ضد الصادرات الامريكية 

 

خلال اليومين الماضيبن جرت تسريبات عن فحوى تحقيق وزارة التجارة الامريكية مفادها أن أدارة ترامب فى طريقها لفرض تعريفات جمركية مضاعفة على السيارات الاوروبية و مكوناتها تصل الى 25 %  بعد أعتبار تلك الواردات تهديدا للأمن القومى الامريكى ، حسب تسريبات التقرير الذى أنتقدته على الفور المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بقولها أن مصنع BMW الالمانية يوجد داخل الولايات المتحدة نفسها و تحديدا فى ولاية ساوث كارولينا و ليس فى بارفاريا الالمانية ، و نحن نفخر بسيارتنا و أى تعريفات امريكية عليها يثير القلق جدا و يعمق معاناة المستهلكين فى العالم ، لذلك أدعوا ترامب للحوار بهذا الشأن  

 

يأتى أثارة ملف ورادات السيارات الاوروبية الى الولايات المتحدة فى توقيت معقد للغاية حيث مفاوضات الهدنة التجارية الشاقة بين الجانبين الامريكى و الصينى و كذلك التداعيات السلبية لأزمة بريكست المستمرة و التى ساهمت خلال عام 2018 فى تراجع انتاج السيارات فى بريطانيا بنسبة 9.1 % ليصل الى 1.52 مليون سيارة  ، مع تراجع حجم الاستثمارات بنحو 45.5 % لتصل الى 588.6 مليون استرلينى ... بالأضافة تراجع نشاط التصنيع فى منطقة اليورو لأدنى مستوياته خلال اربع سنوات ماضية ...  و هو ما يستدعى المرور على بعض تفاصيل مشهد الوارادات بين الاتحاد الاوروبى و الولايات المتحدة الامريكية من خلال النقاط التالية :- 

 

اولا ... أكثر من 56.5 مليار $ هى حجم الصادرات  الاوروبية من السيارات و مكوناتها للأسواق الامريكية و هذا جزء من صورة كبيرة جدا من تجارة الاتحاد الاوروبى مع الولايات المتحدة التى تبلغ اكثر من 1.1 تريليون $ سنويا 

 

ثانيا ...  نحو 294 مليار $ قيمة الصادرات الامريكية التى يعتزم الاتحاد الاوروبى فرض رسوما جمركية عليها ردا على خطوة ترامب حال رفع رسومه على سيارات الاتحاد الى 25 % ...  و هو رقم كبير للغاية يمثل نحو 19 % من أجمالى الصادرات الامريكية

 

ثالثا ... فى فبراير 2019 وقعت الاتفافية الاوروبية اليابانية التى تمحو نحو 94 % من الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد الاوروبى الى اليابان ، مما يوفر على الشركات الاوروبية نحو مليار يورو سنويا من الرسوم الجمركية ... و فى المقابل تتمتع واردات اليابان الى الاتحاد الاوروبى بتخفيض بنحو  99 % من الرسوم الجمركية ، على أن يتم الغاء الرسوم كاملة على بعض المنتجات منها الاجهزة الالكترونية و السيارات بين عامى 2024 و 2026 ... و هو الأمر الذى يثير قلق كبير لكلا من الولايات المتحدة و الصين على حد سواء تجاه هذا التحالف الاوروبى اليابانى المؤثر 

 

رابعا ... نحو 300 مليار $ هو حجم صادرات المانيا  من السيارات للعالم و هو جزء مهم جدا فى قطاع الصناعة الالمانى الذى يعد الرافد الاول للناتج الاجمالى لألمانيا بنحو 22.9 % ... بالاضافة الى أن عدد السيارات المنتجة خارج المانيا الاتحادية تعادل ضعف السيارات المنتجة داخلها و هو الأمر الذى يضر برلين جدا فى حال أستمرار تبادل لكلمات التعريفات الجمركية بين امريكا و الصين التى تستورد سنويا نحو 155 ألف سيارة المانية مصنعة فى الولايات المتحدة من ماركات BMW و مرسيدس 

 

خامسا ... نحو 299 مليار $ هو فائض المانيا الجارى خلال عام 2018 و هو الأكبر عالميا بعد تفوق قوتها التصديرية على وارداتها بنحو 265 مليار $ ، و على جانب أخر يحتل العجز الجارى الامريكى المركز الاول عالميا بنحو 420 مليار $ ... و هو المشهد المؤلم جدا لترامب و المحفز الرئيسى لفرض تعريفات جمركية على واردات السيارات الالمانية تحديدا التى تصيبها خسائر فورية بنحو 21 مليار $ سنويا و يهددها بشبح ركود اقتصادى و يقلص من توقعات النمو للاقتصاد الالمانى من 2.25 % الى 1.7 % فقط 

 

سادسا ... فى مايو 2019 يصادف أخر موعد لتفعيل تعريفات امريكية على سيارات الاتحاد الاوروبى حال عدم التوصل لأتفاق بهذا الشأن ، و هو نفس الشهر الذى ينتهى فيه الاعفاء الامريكى لثمان دول من استيراد النفط الايرانى الذى تحاول المانيا و فرنسا تفعيل قناة مالية للألتفاف على العقوبات الامريكية ضد طهران ... و هو ايضا شهر انتخابات البرلمان الاوروبى بعد انفصال بريطانيا رسميا و صعود موجة شعبوية اوروبية محتملة ... و ربما يكون الشهر الذى تنتهى فيه هدنة جديدة بين امريكا و الصين ... !

 

ختاما ... أمام تلك الغيوم الثقيلة كلها هل تبدو الحلول المنطقية قريبة ، و متى يتنفس الاقتصاد العالمى الصعداء ؟!!! ...