أقل ما يمكن أن نصف به 2022 هو أنه عام التقلبات، فلم تعرف أيّ فئة أصول بداية من الأسهم مرورًا بالبيتكوين حتى أسواق السلع والعملات معنى الهدوء خلال العام الماضي، بعدما تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في العديد من الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية التي انكوى بنارها العالم أجمع.

 

وبالنسبة إلى سوق الأسهم فقد كان عامًا مؤلمًا حيث عانت مؤشرات الأسهم الأمريكية من أسوأ أداء سنوي منذ عام 2008 وقطعت سلسلة مكاسب استمرت لنحو 3 سنوات، بعدما أدى تسارع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى إضعاف معنويات المستثمرين، خاصة في أسهم التكنولوجيا التي شهدت موجة بيعية حادة.

كما فقدت أسعار الذهب بريقها مع ارتفاع الدولار بعدما رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة 7 مرات في 2022، للسيطرة على التضخم، فيما كانت البيتكوين أكبر الخاسرين وتعرضت لضربة قوية دفعتها لأقل مستوياتها في عامين.

ورغم أنها فقدت غالبية مكاسبها، إلا أن أسعار النفط كانت من أبرز الرابحين في العام الماضي، مع مخاوف نقص الإمدادات التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا.

 

أسواق الأسهم

كانت سياسة الاحتياطي الفيدرالي والغزو الروسي لأوكرانيا أشد وطئًا على سوق الأسهم العالمية حتى من صدمة وباء كورونا، ليكون 2022 أسوأ عام لها منذ 14 عامًا، بقيادة أسهم التكنولوجيا التي ذاقت مرارة ارتفاع أسعار الفائدة ومعدلات التضخم.

 

وانتهج الفيدرالي الأمريكي سياسة نقدية صارمة ورفع معدلات الفائدة بوتيرة لم نراها منذ سنوات عديدة؛ فمن بين 7 زيادات أقرها البنك هذا العام هناك 4 مرات متتالية بمقدار 75 نقطة أساس، لتصل بذلك الفائدة الأمريكية عند نطاق 4.25% و4.50%، مع توقعات ارتفاعها إلى 5.1% في 2023.

وأعلن الاحتياطي الفيدرالي الحرب على التضخم، بعدما وصل إلى أعلى مستوى في 4 عقود خلال العام الماضي، مع اضطرابات سلاسل التوريد العالمية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي دفعت أسعار الطاقة بصفة خاصة إلى مستويات غير مسبوقة.

 

وكان مؤشر ناسداك التكنولوجي هو أكبر الخسائر بين مؤشرات وول ستريت، حيث تراجع بأكثر من 38% خلال العام الماضي، ليتداول عند مستويات 10.400 ألف نقطة، ما يعني هبوطًا كبيرًا من ذروته فوق 16 ألف نقطة في نوفمبر 2021، مع حقيقة أن أسهم التكنولوجيا تكون أكثر حساسية لزيادة أسعار الفائدة، كونها تضر الأرباح المستقبلية المتوقعة وتجعل الاقتراض أكثر تكلفة.

 

كما سجل مؤشر ستاندرد آند بورز خسائر سنوية بنحو 19.4%، لينهي العام عند 3800 نقطة، مع تراجع كبير لأسهم قطاع خدمات الاتصالات وكذلك قطاع السلع الاستهلاكية، في حين كانت أسهم شركات الطاقة الرابح الوحيد خلال 2022، بمكاسب تقارب 60%، مع ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي.

فيما هبط مؤشر داو جونز الصناعي بما يقرب من 9% خلال 2022، مسجلًا مستوى 33.147 ألف نقطة بنهاية العام، ليكون الأقل تراجعًا بين المؤشرات الثلاثة، حيث أدّى ارتفاعه بأكثر من 15% في الربع الرابع إلى تقليل خسائره السنوية، مع اتجاه الفيدرالي الأمريكي لتقليص وتيرة رفع الفائدة.

*أداء داو جونز في 2022

وشهدت مؤشرات وول ستريت تقلبات حادة في 2022، إذ هبط داو جونز أقل من 29 ألف نقطة في نهاية سبتمبر، الذي كان أقل مستوى في عامين تقريبًا، الأمر نفسه بالنسبة إلى مؤشر ستاندرد آند بورز قبل التعافي في الربع الأخير، بعد 3 أرباع من الخسائر، على عكس مؤشر ناسداك، الذي سجل خسائره الفصلية الرابعة على التوالي للمرة الأولى منذ عام 2001.

وعلى مستوى أسهم الشركات العملاقة، لم تستطع أيّ منها تجنب الخسائر القوية العام الماضي، حيث هبط سهم آبل 27% في إجمالي 2022، وتمسكت القيمة السوقية بالكاد بعلامة 2 تريليون دولار، حيث أنهت العام عند 2.07 تريليون دولار، بعدما كانت على وشك تجاوز 3 تريليونات دولار أواخر عام 2021.

وطالت الموجة البيعية جميع أسهم التكنولوجيا، حيث تهاوى سهم فيسبوك بنحو 64%، وباتت الشركة خارج قائمة أكبر 20 شركة عالمية من حيث القيمة السوقية، مع الأداء المالي المخيّب للآمال، بفعل زيادة الإنفاق على مشروع الميتافيرس، كما سجلت أسهم أمازون ومايكروسوفت خسائر سنوية بنحو 50% و28% على التوالي.

 

ولا ننسى الضربة القوية التي تلقاها سهم تسلا في 2022، حيث تراجع بأكثر من 65%، لتهبط القيمة السوقية أقل من 400 مليار دولار بنهاية العام، مقارنة مع تريليون دولار خلال أبريل الماضي، إذ تراجعت معنويات المستثمرين تجاه سهم عملاقة السيارات الكهربائية، بعدما استحوذ مؤسسها إيلون ماسك على منصة تويتر.

 

أسعار النفط

أما سوق النفط، فقد شهدت تقلبات حادة في 2022، مع توافر العوامل الداعمة بقيادة الغزو الروسي لأوكرانيا وما تلاه من نقص للإمدادات، وكذلك العوامل السلبية مع تباطؤ النمو الاقتصادي وعودة إصابات كورونا في الصين، ما أدّى إلى تراجع الطلب على الخام.

 

وكانت تحركات أسعار النفط خلال العام المنصرم مليئة بالارتفاعات والانخفاضات الحادة، إذ شهدت صعودًا صاروخيًا في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية واقترب سعر خام برنت من حاجز 140 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2008 أوائل مارس الماضي، وتزامن ذلك مع إعلان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة حظر استيراد النفط الروسي، بالإضافة إلى التزام تحالف أوبك+ بالزيادة التدريجية لإنتاج النفط.

 

واتخذت أسعار النفط مسارًا هبوطيًا منذ ذلك الحين، تخلله ارتفاع خام برنت فوق 120 دولارًا في يونيو الماضي مع إعلان الاتحاد الأوروبي حظر واردات الخام الروسي بداية من 5 ديسمبر، لكن هذا الصعود لم يستمر طويلًا مع مخاوف تباطؤ الطلب على الخام.

 

وعانت أسعار الخام في النصف الثاني من 2022، من مخاوف الركود الاقتصادي جراء زيادات أسعار الفائدة المستمرة إلى جانب ارتفاع إصابات كورونا في الصين، أكبر مستورد للخام في العام، لدرجة أنها محت جميع مكاسبها من غزو أوكرانيا، بعدما هبط خام برنت إلى 76 دولارًا بنهاية جلسة (9 ديسمبر) مسجلًا أقل إغلاق في 2022.

 

وبدأت أسعار النفط الارتفاع مجددًا وتجاوزت 80 دولارًا خلال ديسمبر، بعدما تمسك تحالف أوبك+ بخفض الإنتاج مليوني برميل يوميًا بداية من نوفمبر2022 إلى ديسمبر 2023، استجابة لمخاوف الطلب إلى جانب دخول الحظر الأوروبي على النفط الروسي حيز التنفيذ.

ونتيجة لذلك، حقق خام برنت مكاسب سنوية بأكثر من 10%، كما ارتفع خام نايمكس الأمريكي بنسبة 6.7%، لكنها مكاسب ضئيلة مقارنة بارتفاع بلغت نسبته 50% لكلا الخامين في عام 2021.

*تحركات سعر خام برنت في 2022

 

أسعار الذهب

رغم الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية التي تدعم ارتفاع الذهب في 2022، إلا أن ارتفاع الدولار الأمريكي وعوائد سندات الخزانة مع زيادة أسعار الفائدة، شكلت رياحًا معاكسة للمعدن النفيس العام الماضي.

ووصل الدولار الأمريكي لأعلى مستوى في أكثر من 20 عامًا، مما جعل الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لحاملي العملات الأخرى، كما صعدت عوائد السندات الأمريكية لأعلى مستوى في 14 عامًا، وهو ما زاد من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر الذي لا يدر عائدًا.

 

ورغم ذلك سجلت أسعار الذهب خسائر طفيفة بنسبة 0.1% في عام 2022، بفضل الارتفاع القوي في آخر شهرين، بعدما بدأ الاحتياطي الفيدرالي في تقليص وتيرة زيادة أسعار الفائدة، وهو ما دعم الدولار وعوائد السندات الأمريكية للتراجع وقدم دعمًا للمعدن الأصفر.

 

ولكن هذه الخسائر الطفيفة لا تعبر عن التقلبات القوية التي شهدها المعدن النفيس في 2022، إذ اتخذت الأسعار مسارًا صعوديًا في بداية 2022 وتجاوزت مستوى 1900 دولار للأوقية أواخر فبراير مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، قبل أن تكسر حاجز 2000 دولار للأوقية أوائل مارس مسجلة أعلى مستوى منذ أغسطس 2020.

 

ورغم ذلك، ما إن بدأ الاحتياطي الفيدرالي في رفع معدلات الفائدة خلال مارس الماضي حتى شهدت أسعار الذهب هبوطًا حادًا دفعها لأقل مستوى في عامين خلال سبتمبر عند 1630 دولارًا للأوقية ومرة أخرى في أوائل نوفمبر، قبل أن تتعافي بشكل ملحوظ من خسائرها في المحطة الأخيرة من 2022، وتعود فوق 1800 دولارًا لكن هذا لم يكن كافيًا لإنهاء العام باللون الأخضر.

*أداء الذهب في 2022

 

العملات المشفرة

كانت العملات المشفرة أكبر الخاسرين بين فئات الأصول المختلفة في 2022، وضربت بكل آمال ثيرانها عرض الحائط، خاصة بعد المكاسب القوية التي حققتها في العام السابق له، وسط تهافت الشركات والمؤسسات المالية على الاعتراف بالبيتكوين ورفاقها، لكن الوضع انقلب رأسًا على عقب العام الماضي.

وبدأت سوق العملات المشفرة العام بقيمة سوقية تتجاوز 2 تريليون دولار، لكنها أنهت أعلى قليلًا من 800 مليار دولار، مما يشير إلى الخسائر الفادحة التي تلقتها العملات الرقمية، بقيادة البيتكوين حيث فقدت وحدها 65% من قيمتها في 2022، كما تراجعت الإيثريوم بنحو 70% تقريبًا.

*تحركات البيتكوين في 2022

وفي أوائل عام 2022 تجاوزت البيتكوين مستوى 48 ألف دولار قبل أن تشهد تقلبات حادة في الأشهر الأولى دفعت لأقل من 34 ألف دولار قبل أن إلى 47 ألف دولار نهاية مارس مع احتدام الحرب الروسية الأوكرانية، لكنها اتخذت اتجاهًا هبوطيًا بلا هوادة منذ ذلك الحين.

وتأثرت البيتكوين بشكل كبير بخسائر الأسواق العالمية مع أسعار الفائدة المرتفعة، وهروب المستثمرين إلى الملاذات الآمنة مثل الدولار الأمريكي، إلى جانب انهيار العديد من المنصات والعملات المشفرة في 2022، مما أثار شكوكًا لدى المستثمرين بشأن الملاءة المالية للشركات العاملة في هذا القطاع.

 

وفي يونيو الماضي، تراجعت البيتكوين تحت مستوى 20 ألف دولار لأول مرة منذ أوائل 2020، ثم هبطت إلى أقل من 16 ألف دولار في نوفمبر، قبل أن تستقر فوق هذه المستويات حتى نهاية العام، لتكون متراجعة بنسبة تقارب 75% منذ المستوى القياسي المسجل نوفمبر 2021 بالقرب من 69 ألف دولار.

وكان إفلاس منصة إف تي إكس في نوفمبر الماضي ضربة قاصمة للبيتكوين ورفاقها في 2022، مع مخاوف انتشار عدوى الانهيار إلى باقي شركات ومنصات العملات المشفرة، وما زال تأثير ذلك مستمرًا حتى الآن.

 

رغم المساحة السوداء في 2022 التي عمت المشهد في مختلف الاسواق المالية لكننا نأمل ان تحمل لنا سنة 2023 التفاؤل بغد أفضل والخير لكل أصدقائنا المتابعين لموقع نمازون الاقتصادي وما نقدمه من محتوى هادف

 

اياد عارف 

مؤسس موقع نمازون الاقتصادي