مصائب قوم عند قوم فوائد، مقولة تنطبق فعلياً على شركات الأدوية العالمية، حيث كان انتشار وباء كورونا غير المألوف بمثابة صفقة رابحة لهذه الشركات التي عملت على تطوير لقاحات ضده، أثبتت فاعلية فاقت التوقعات، لتغرد أسهمها في السماء بمكاسب باهرة، وإن كان ظهور سلالة جديدة للفيروس عكر المزاج بعض الشيء.

 

ومن بين 168 لقاحاً محتملاً ضد كورونا، بحسب منظمة الصحة العالمية، استقطب لقاحا فايزر وبيونتيك، وموديرنا، أنظار العالم بعدما أثبتا فاعلية حوالي 95% للوقاية من الوباء، فلا عجب أن تكون أسهم هذه الشركات هي أكبر الرابحين، خاصة مع بدء التطعيم بهذه اللقاحات في عدة دول وعلى رأسها الولايات المتحدة، وتفاؤل المستثمرين بأن توزيع اللقاح على نطاق أوسع سوف يدر مليارات الدولارات لهذه الشركات في العام المقبل.

 

وبشكل عام، فإن مؤشر ناسداك لشركات التكنولوجيا الحيوية حقق مكاسب بأكثر من 30% في 2020 ومازال يواصل مكاسبه منذ بداية العام ليتداول فوق الخمسة الاف نقطة بتاريخ اعداد هذا التقرير كما يوضح التشارت التالي:-

وقبل الوباء، لم يكن يعرف الكثير شيئاً عن موديرنا، لكن الآن وبعد أشهر قليلة أصبحت من أصحاب المليارات بفضل تطوير لقاح كورونا، لتبلغ قيمتها السوقية 50 مليار دولار، بعدما قفز السهم بنحو 600% هذا العام، مما يدل على مراهنة المستثمرين على مكاسب قوية في الفترة المقبلة.

 

وحتى قبل توزيع لقاح موديرنا على نطاق أوسع، ومجرد أن عقدت العزم على تطويره، انعكس ذلك إيجابياً على إيرادات الشركة في الربع الثالث حيث وصلت إلى 157.9 مليون دولار، بفارق شاسع عن الفترة المقارنة من العام الماضي عند 17 مليون، وذلك بفضل التمويل الذي حصلت عليه من الحكومات والمنظمات الخيرية لتطوير لقاح كورونا، وبشكل عام، قدمت الحكومات 6.5 مليار جنيه إسترليني للشركات المطورة للقاحات، وفقًا لشركة تحليلات البيانات العلمية إيرفينتي، كما منحتها المنظمات غير الهادفة للربح ما يقرب من 1.5 مليار جنيه إسترليني

 

وعند هذه النقطة لابد أن نلاحظ أن عادة لا تلجأ الشركات إلى التمويل الخاص إلا في حالة أنها تتعامل مع فيروس من المتوقع أن يستمر لسنوات ويتعايش معه العالم، وهذا ما جعل غالبية الشركات المطورة للقاحات تحصل على تمويل من الحكومة في البداية، ولكن مع الضبابية المحيطة بموعد انتهاء فيروس كورونا، فإن مثل هذه الشركات قامت بإضافة تمويل خاص، حيث تراهن أن ستنتج جرعات إضافية وتحقق أرباحاً على المدى الطويل ولن يتوقف الأمل، كما حدث في فيروسات سابقة مثل سارس.

موديرنا تعتبر ضمن الشركات التي تهدف لتحقيق أرباح للمساهمين حيث يعتبر لقاحها الذي يصل سعر الجرعة إلى 37 دولارًا، الأعلى بين الشركات المطورة للقاح كورونا، على عكس شركة أسترازنيكا التي قالت إنها ستسعر لقاحها ليصل إلى 8.1 دولار، وهو أدنى سعر تستطيع من خلاله الشركة تغطية التكاليف فقط، وقد يكون هذا وراء تخلى السهم عن أعلى مستوياتها وتحوله للخسائر بنحو 4% في 2020.

 

ويتوقع مستثمرو موديرنا أن تحصل الشركة على ما بين 10 و15 مليار دولار من بيع لقاحها في 2021 و2022، وعدة ملايين أخرى في السنوات التالية، بحسب تقديرات بنك مورجان ستانلي، وهذه الأرقام مذهلة بشكل خاص عندما تفكر في أن موديرنا حققت مبيعات بلغت 60 مليون دولار فقط في عام 2019.

 

وبالنسبة لشركة فايزر، التي تُسعر اللقاح بنحو 19 دولاراً، من المتوقع أن تحقق إيرادات بنحو 19 مليار دولار من بيع لقاح كورونا، وفقًا لـمورجان ستانلي، هذا بالإضافة إلى 975 مليونًا تقريبًا حصلت عليها من اللقاح في عام 2020، وسيتم تقسيم الإيرادات مع بيونتيك الألمانية التي دخلت معها في شراكة لتطوير اللقاح.

 

واستفاد سهم فايرز من تطوير لقاح للوباء حيث بنحو 15% هذا العام، كما صعد سهم بيونتيك بأكثر من 200% خلال نفس الفترة، قبل أن تأتي السلالة الجديدة من الفيروس التي ظهرت في بريطانيا لتضغط على هذه المكاسب، كأن كورونا يعاقب أول دول أقرت لقاح فايرز ضده.

 

وتناثرت الشكوك حول فاعلية اللقاح ضد السلالة الجديدة، مما يمثل تحديداً كبيراً للشركات المطورة للقاح التي تعول على بيعه آمالاً كبيرة لتحقيق أرباح قوية، في الوقت الذي أعلنت فيه هذه الشركات أن لقاحها فعّال ضد هذا النوع الجديد، لكن في حاجة إلى التأكد من ذلك عن طريق إجراءات تجارب خلال الأسبوعين المقبلين

 

واذا اثبتت التجارب السريرية عدم فاعلية اللقاحات او حتى تراجع نسبة الفاعلية  ضد السلالة الجديدة، فإن ذلك سيمثل ضربة كبيرة لأسهم الشركات المطورة للقاحات ، حيث بدأنا نشعر مرة ثاية بالقلق يخيم مع استمرار موجة الاغلاقات الاوروبية تنتشر ، ولكنها سترفع من مبيعات هذه الشركات خلال الفترة المقبلة، حيث يراهن المستثمرون.

 

في النهاية، يراهن المستثمرون على إيرادات تقارب تريليون دولار لقطاع التكنولوجيا الحيوية، مقارنة مع 24 مليار دولار قبل الوباء !!! حيث يعلّقون الآمال على أن يصبح كورونا فيروساً يتعايش معه العالم، وتبقى اكبر التحديات هو الاستمرار في توليد الارباح ، فمثلما طورت الشركات اللقاح في فترة قصيرة فاقت التوقعات، فإن الأرباح الضخمة قد تكون قصيرة الأجل أيضاً