نمو متسارع في الإيرادات مع فرط في النشاط وتوسع فوضوي في الأعمال يقود في النهاية إلى زيادة في الاقتراض، ثم تخمد المبيعات وتتزايد أعباء الديون وتبدأ الفقاعة في الانفجار، وقد تأخذ في طريقها ضحايا لا ناقة لهم فيها ولا جمل

 

 سيناريو عاهدناه كثيرًا في الأسواق العالمية، وباتت عملاق العقارات الصينية إيفرجراند أحدث مثال على ذلك، بعد أن وقعت تحت وطأة التخلف عن السداد، فما القصة وهل تداعياتها محلية فقط أم عدوى تنتقل إلى العالم؟

 

بعد تطور سريع في الأزمات والأحداث سوف نسرده لاحقًا، تفاقمت أزمة أكثر الشركات مديونية في العالم بالتزامات مالية تتجاوز 300 مليار دولار، بعد أن تخلفت عن سداد أحد مدفوعات الفائدة على سندات دولية بقيمة 1.2 مليار دولار في وقت سابق من الشهر الجاري، وهذا حدث للمرة الأولى على الإطلاق، حسبما أعلنت وكالة التصنيف الائتماني الكبرى فيتش، ما يعني أن الأزمة بلغت ذروتها وبات الانهيار وشيكًا، إن لم يكن حدث بالفعل.

وأثارت هذه الأزمة مخاوف المستثمرين الذين يخشون انتقال العدوى عبر قطاعي العقارات والبنوك في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل إلى أبعد من ذلك، خاصة وأنها تعيد إلى الأذهان ذكريات سيئة كانت شرارة اندلاع الأزمة المالية العالمية في 2008، عندما انهار بنك ليمان براذرز، جراء أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة.

 

كيف بدأت الأزمة؟

مخاوف الأزمة تأتي من ضخامة الشركة، لأن إيفرجراند، لا تعد فقط أحد أكبر المطورين العقاريين في الصين، فالشركة، التي نشأت عام 1996، تتنوع أعمالها في مجالات عدة مثل تصنيع السيارات الكهربائية والأطعمة وإدارة الثروات وغير ذلك، لكن فيما يتعلق بالعقارات، فإن إيفرجراند لديها 778 مشروعًا في 233 مدينة صينية مع نهاية يونيو 2021، بحسب أحدث التقارير على الموقع الرسمي للشركة.

في وقت توسعت فيه إيفرجراند بشكل كبير من خلال الاقتراض، بدأت الديون تتراكم، انتبهت السلطات الصينية لمشكلة الديون الضخمة من قبل الشركات العقارية، ما جعلها تتخذ إجراءات جديدة، لضبط عملية الاقتراض والتحكم في المبالغ المستحقة على الشركات الكبرى، وهذه القواعد، التي وُضعت العام الماضي، جعلت إيفرجراند في ورطة، وأصبحت أكبر ضحية لجهود الحزب الشيوعي الحاكم لكبح جماح مستويات الديون المرتفعة التي تعتبرها بكين تهديدًا محتملاً للاقتصاد.

وأقبل عملاق العقارات الصيني على بيع ممتلكاته بتخفيضات كبيرة حتى تتمكن من سداد ديونها، لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية، خاصة وقت انتشار فيروس كورونا، ومن هنا برزت الأزمة، حيث لا تزال الشركة تكافح من أجل تلبية مدفوعات الفائدة على ديونها، في وقت تتراجع فيه الأرباح بشكل كبير منذ عام 2018، عندما سجلت 66.54 مليار يوان إذ تضاعفت عن السنوات السابقة، وفي عامي 2019 و2020، بلغت 33.54 و31.4 مليار يوان على التوالي، ما يوضح تدهور الأداء المالي للشركة.

وفي خضم تراجع الأرباح، كانت الالتزامات المالية للشركة في ارتفاع مستمر، لتصل إلى 1.95 تريليون يوان (304 مليار دولار)، مع نهاية العام الماضي، ارتفاعًا من 1.5 تريليون يوان عام 2018، حينما كانت الأرباح مرتفعة، ما يوضح ضخامة الأزمة أن إجمالي الالتزامات تعادل تقريبًا إجمالي الميزانية العمومية لشركة إيفرجراند، التي بلغت 2.30 تريليون يوان (372 مليار دولار).

وفي محاولة لتجنب التداعيات السلبية للأزمة، استمرت الشركة الصينية في بيع الأصول في الأشهر الأخيرة لجمع الأموال التي تدين بها للعملاء والمستثمرين والموردين، ورغم ذلك، قالت الشركة في بيان هذا الشهر إنها ورغم كل المحاولات، لا تستطيع ضمان أداء التزاماتها المالية.

 

محلية أم عالمية

بالتأكيد هناك عدة أسباب وراء خطورة أزمة إيفرجراند على الصعيد المحلي، فالمشكلة ليست في انهيار شركة واحدة، لأنه حال انهيار إيفرجراند، ستتعرض شركات البناء والموردين التي تتعامل معها لخسائر كبيرة قد تجبرهم على الإفلاس، خاصة وأن تخلف الشركة الصينية عن السداد، يعني أن البنوك تضطر إلى تقييد عملية الإقراض، وتكافح الشركات حينئذن لاقتراض الأموال، وهو ما يؤدي في النهاية إلى أزمة ائتمان تضرب النظام المالي الصيني.

وتمثل العقارات والصناعات المرتبطة بها ما يصل إلى 30% من الناتج المحلي الإجمالي، لاقتصاد الصين، ومن شأن أزمة مثل هذه أن تهز ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما قد يؤثر أيضًا على الاقتصاد العالمي، لكن في الحقيقة قلل صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا من تداعيات أزمة إيفرجراند على الصعيد العالمي.

 

عندما أصبحت أزمة إيفرجراند أكثر بروزًا، قال جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر الماضي , إن أزمة ديون عملاق العقارات الصيني يبدو أنها تخص الصين إلى حد كبير، في الوقت الذي أشارت فيه كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي إلى أن الأزمة تتمحور حول الصين، وسيكون تأثيرها محدود للغاية على أوروبا.

لكن في سبتمبر أيضًا استيقظت الأسواق العالمية على مخاوف من احتمال تخلف إيفرجراند عن سداد ديونها، ورأينا عمليات بيع واسعة النطاق في الأسواق المالية، ليس في بورصات الصين أو هونج كونج، التي تُدرج فيها الشركة الصينية، لكن الأمر كان عالميًا.

 

ورغم ذلك، رأينا أنه عندما بدأت إيفرجراند تتخلف فعليًا عن سداد مدفوعات ديونها، هذا الشهر من ديسمبر ، لم تهتم الأسهم العالمية بهذه الأخبار، إذ أصبح المستثمرون على ثقة بأن السلطات الصينية لن تسمح بانهيار الشركة، خاصة مع قيامها بإجراءات على أرض الواقع، أخرها خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي لدى البنوك، ما يحرر المزيد من السيولة في الأسواق، ما يشير إلى أن الدولة تلعب دورًا أكبر في مستقبل عملاق العقارات، بما في ذلك إعادة هيكلة الديون المحتملة.

 

أداء السهم

في المقابل، عمقت أخبار التخلف عن السداد جراح سهم إيفرجراند، ليتهاوى إلى أدنى مستوى على الإطلاق في الأسبوع الماضي عند 1.7 دولار هونج كونج، وفي جلسة 6 ديسمبر انهار سهم الشركة الصينية بأكثر من 19%، مع تصريحات الشركة بأنها لا تضمن الوفاء بالتزاماتها المالية.

* أداء سهم إيفرجراند في 2021

واستمر السهم في الخسائر الأسبوع الجاري عند مستويات متدنية جديدة بلغت 1.55 دولار هونج كونج في جلسة الأربعاء 15 ديسمبر الجاري، ليرفع بذلك خسائره في الشهر الحالي فقط إلى أكثر من 44%. وبصفة عامة، كان اللون الأحمر يكسو سهم إيفرغراند منذ بداية العام الجاري، مع خسائر تقارب 90%، وسط إعلان خفض التصنيف الائتماني للشركة من قبل وكالات كبرى، آخرها فيتش، التي صنفتها في حالة تعثر محدود عن السداد

 

في النهاية، هل ستفعل الصين كل شيء حتى لا تنهار إيفرجراند، حيث تخشى من تأثير الدومينو على باقي الشركات والقطاعات، أم نرى عملاق العقارات يعلن إفلاسه قريبًا؟