أعلنت شركة السياحة البريطانيّة العملاقة «توماس كوك»، عن إفلاسها، بعد فشلها في جمع الأموال اللازمة لاستمرار بقائها.


ووفقا لصحيفة البيان، فإن إعلان أعرق شركة سياحية على مستوى العالم عن إفلاسها بمثابة زلزال ضرب حجوزات السفر على مستوى العالم.


فهناك 600 ألف مسافر باتوا مهددين بفقدان تذاكر العودة إلى بلادهم، وينتظرون تحركاً من قبل حكوماتهم، فضلاً عن ارتدادات متتابعة، طالت الفنادق التي تتعامل معها الشركة البريطانية العريقة في بلدان عديدة.


وقالت توماس كوك في بيان: «على الرّغم من الجهود الكبيرة، لم يكن من الممكن التوصل إلى اتفاقية بين المساهمين في الشركة، والممولين الماليين الجدد المحتملين. لذلك، خلص مجلس إدارة الشركة إلى أنّه ليس لديه خيار سوى اتّخاذ خطوات للدّخول في تصفية إلزاميّة بمفعول فوري». 


وأعلنت الشركة إلغاء جميع الرحلات المغادرة، وتجهيز 40 طائرة لإعادة 150 ألف سائح إلى بريطانيا، بالإضافة إلى مئات الآلاف من السائحين حول العالم، خصوصاً في أوروبا وشمال أفريقيا.


وأعرب رئيس المجموعة بيتر فانك هاوسر، عن أسفه لما آلت إليه الأوضاع، وقال: «يوم حزين للغاية مع خسارة آلاف الوظائف.. يؤسفني جداً، كما باقي أعضاء مجلس الإدارة، أننا لم ننجح. إنه يوم حزين للغاية، لشركة كانت رائدة في الرحلات السياحية، سهلت السفر لملايين الناس حول العالم».


من جهته، قال ثاني أكبر مساهم في «توماس كوك»، إنه سيجري بيع الشركة، إما بشكل كامل أو على أجزاء بعد انهيارها، مضيفاً أنه سينظر في العروض قبل أن يتخذ قراراً بشأن شراء مزيد من الأصول.


وقال ناسيت كوكار، الذي يملك 8 % في الشركة، إن «توماس كوك» مدينة ببضع مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية لشركات تركية، وربما لا يجري سدادها بعد بيع الشركة. ويُشكل إفلاس «توماس كوك»، ضربة قوية لقطاع السياحة الأوروبي، حيث يعمل بالشركة 22 ألف موظف حول العالم، ولديها أكثر من 20 مليون عميل.

 

تداعيات

 

ويتعين الآن بعد إعلان إفلاس الشركة، إعادة 600 ألف سائح من المتعاملين معها، بعد أن باتوا عالقين في مختلف دول العالم، بينهم 150 ألف سائح بريطاني بحاجة لمساعدة من حكومة بلادهم للعودة من محطات، بينها بلغاريا وكوبا وتركيا والولايات المتحدة.


وقالت الحكومة البريطانية في هذا الصدد، إنها استأجرت طائرات لإعادة سياح بريطانيين، في عملية تبدأ فوراً. وأعلن وزير النقل غرانت شابس، إطلاق أكبر عملية إعادة، مضيفاً أن الحكومة وهيئة الطيران المدني البريطانية، استأجرتا العشرات من طائرات تشارتر لإعادة مسافري «توماس كوك» إلى البلاد. 


وقالت الحكومة: «جميع زبائن توماس كوك الموجودين حالياً في الخارج، والذين قاموا بحجوزاتهم للعودة إلى المملكة المتحدة في الأسبوعين القادمين، ستتم إعادتهم إلى الديار في أقرب موعد لحجوزات عودتهم».


وإضافة إلى توقف رحلات طائراتها، أجبرت «توماس كوك» على إغلاق وكالات سفر، ما ترك موظفيها البالغ عددهم 22 ألفاً في أنحاء العالم، 9 آلاف منهم في بريطانيا، من دون عمل.

 

لماذا انهارت؟

 

وقعت الشركة العملاقة تحت وطأة ارتفاع مستويات الديون، والشركات المنافسة التي تعمل عبر الإنترنت، وغموض الوضع الجيوسياسي، حيث كانت توماس كوك تحتاج مبلغاً إضافياً قدره 200 مليون إسترليني، بخلاف حزمة قدرها 900 مليون، كانت قد اتفقت عليها بالفعل، لكي تعبر بها شهور الشتاء التي تحصل فيها على سيولة مالية أقل، ويتعين عليها أن تسدد مستحقات للفنادق عن الخدمات التي تؤديها في الصيف. وتسبب طلب المبلغ الإضافي في نسف حزمة الإنقاذ التي استغرق إعدادها شهوراً.

 

والتقت قيادات «توماس كوك» في هذا الصدد بالمقرضين والدائنين في لندن، لمحاولة التوصل لصفقة أخيرة، تسمح للشركة بمواصلة نشاطها. لكنهم فشلوا في ذلك. وبمقتضى شروط الخطة الأصلية، كانت شركة «فوسون»، التي تملك شركتها الأم الصينية شركة «كلوب ميد» للرحلات الشاملة، ستقدم تمويلاً جديداً قدره 450 مليون إسترليني (552 مليون دولار)، مقابل ما لا يقل عن 75 % من نشاط الشركة للرحلات السياحية، و25 % من شركة الطيران التابعة لها.


وكان من المقرر أن تقدم البنوك المقرضة لـ «توماس كوك»، وحملة سنداتها 450 مليون إسترليني أخرى، وتحول ديونها الحالية إلى حصص في الشركة، بما يمنحها السيطرة على 75 % من شركة الطيران، وما يصل إلى 25 % من نشاط الرحلات السياحية. إلا أن كافة هذه الخطط باءت بالفشل.


وقالت ديردر هاتون رئيسة هيئة الطيران المدني في بريطانيا، إن «توماس كوك» انهارت، لأنها لم تحدث نهجها التعامل مع سوق السياحة الرقمية، الذي يزداد في الانتشار. وأضافت: أعتقد أن مشكلة توماس كوك، بحسب ما قرأته قبل يومين، هي أنها تعمل بكتيبات، وقد انتقل العالم إلى «الباركود».

 

تاريخ عريق

 

تحظى «توماس كوك» بتاريخ عريق يعود إلى 178 عاماً عندما قام مصنّع الخزانات توماس كوك بتأسيس الشركة عام 1841، وسرعان ما بدأت بتنظيم رحلات إلى الخارج لتصبح أول مشغل رحلات ينقل مسافرين بريطانيين إلى أوروبا عام 1855 وإلى الولايات المتحدة في 1866 وفي رحلات حول العالم عام 1872. 


وظلت عمليات الشركة تنمو بشكل مذهل إلى أن أصبحت مشغل رحلات وشركة خطوط جوية، لكنها رزحت تحت ديون هائلة لأسباب يرجعها البعض إلى فشلها في تطوير نفسها في ظل التقدم التكنولوجي المذهل الذي طال قطاع السفر عالمياً، لينتهى الأمر بأن تحط الشركة رحالها تماماً وتختفي من الوجود بعد أن كانت النجم الأوحد والألمع في قطاع السفر.

 

تأثير معدوم على السوق السياحي بالإمارات

 

أكدت مصادر عاملة في قطاع السياحة والسفر في دبي، أنه لا يوجد أي تأثير سلبي على القطاع السياحي في الإمارات، مشيرين إلى أن النسبة الأكبر من حجوزات الشركة من السوق البريطاني تتجه إلى تركيا وشمال أفريقيا. وأشارت المصادر إلى أن فرع «توماس كوك» في الإمارات يتبع «توماس كوك» الهندية، وهذه الشركة ليس لها أي علاقة بمجموعة «توماس كوك» البريطانية.


وقال ديكلان هارلي، نائب الرئيس للمبيعات في فنادق «روتانا»: «إن هناك علاقات كبيرة بين فنادق روتانا والسوق البريطاني ويعتبر السوق البريطاني من الأسواق التي تساهم بحصة متنامية من نزلاء فنادق المجموعة في مختلف أنحاء الإمارات، ولا يوجد هناك أي تأثير حالي على الحجوزات في فنادق المجموعة عقب الإعلان عن إفلاس الشركة». 


وأضاف: «إن انهيار شركة بهذا الحجم سيكون له أضرار سلبية على السوق السياحي على المدى البعيد، لأنها تعتبر من أهم الشركات العالمية في القطاع».


وأوضح أن مجموعة «روتانا» تعتمد استراتيجية التنوع سواء في الأسواق أو من حيث الشركات السياحية، ولا ترتهن لسوق أو شركة معينة؛ لذلك أي خلل في سوق أو شركة يتم تعويضه عن طريق أسواق وشركات أخرى، بحيث يبقى التأثير في حده الأدنى. وقال شريف الفرم، المدير التنفيذي لشركة «سيرينتي ترافيل»: «لا شك أن خبر انهيار «توماس كوك» شكل صدمة للقطاع السياحي العالمي خاصة أن الشركة تعتبر من أقدم وأكبر الشركات في السوق البريطاني والعالم، لكن على مستوى السوق المحلي تأثيرها الأدنى معدوم».


من جهته، قال الدكتور هيثم الحاج علي، الرئيس التنفيذي لشركة «دبي لينك»: «إن التأثير على القطاع السياحي قد يكون معدوماً، وإن وجد هناك تعاقدات أو أضرار على الشركات السياحية فإن شركات التأمين يجب أن تتحمل أي أضرار تتعلق بهذه الشركات، وإلى الآن فإن الحكومة البريطانية تتكفل بمعالجة الأضرار. 


وأضاف: «إن «توماس كوك» من الشركات الكبيرة جداً؛ لذلك قد يكون في انهيار مثل هذه الشركة فائدة للشركات الأخرى، بحيث تتوزع حصتها على هذه الشركات».