سجلت استثمارات دول الخليج في دول الخليج ارتفاعاً خلال العام الماضي، ورغم الحرب التجارية الدائرة بين واشنطن وبكين، حافظت الصين على صدارة دوال العالم المستثمرة في السندات الأمريكية.

 

وبحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، رفعت دول الخليج الكبرى، (السعودية والإمارات والكويت) حيازتها لسندات الخزانة الأمريكية بقيمة 28 مليار دولار خلال 2018، وزادت السعودية استثماراتها في السندات الأمريكية بمقدار 24.2 مليار دولار، لتصبح في المرتبة 12 ضمن قائمة أكبر الدول التي تحوز الديون الحكومية الأمريكية بقيمة 171.6 مليار دولار، فيما خفضت الإمارات حيازتها من هذه الأصول إلى 56.8 مليار دولار، ما وضعها في المرتبة 21 عالمياً.

وجاءت الكويت في المرتبة 25 عالمياً من حيث حيازة السندات الأمريكية بعدما رفعت استثماراتها إلى 41.3 مليار دولار، فيما لم تتخطى حيازات دول عمان وقطر والبحرين للسندات الأمريكية حاجز 11.4 مليار دولار.

وبقيت الصين بصدارة الدول التي تحوز سندات الديون الأمريكية بقيمة 1.123 تريليون دولار.

 

ما هي السندات الأمريكية؟

سندات الخزانة الأمريكية عبارة عن أوراق مالية ذات قيمة معينة صادرة عن وزارة الخزانة الأمريكية وبنسبة فائدة محددة، فهي بمثابة أداة لتمويل الإنفاق وسد عجز الميزانية الأمريكية، ويمكن شرائها بشكل مباشر عن طريق الوزارة أو عبر الإنترنت دون وسيط.

 

وظل الغموض يكتنف حاملي السندات الأمريكية لنحو 4 عقود، حتى كشفت وزارة الخزانة الأمريكية وللمرة الأولى في مارس (آذار) 2016 عن أكبر حاملي هذه السندات في الخارج، استجابةً لقانون حرية المعلومات الأمريكي.

 

وهناك فترات استحقاق مختلفة للسندات، فهناك السندات المُستحقة خلال عام واحد من تاريخ إصدارها، وتسمى أذونات الخزينة، وإذا تراوحت المدة بين عام إل عشرة أعوام وتسمى أوراق الخزينة، فيما إذا تجاوزت مدتها العشرة أعوام تسمى سندات الخزينة.

عوامل تدفع دول الخليج لحيازة السندات الأمريكية

 

تعد حماية رأس المال وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، من أهم الأسباب التي تدفع دول الخليج إلى الاستثمار في السندات الأمريكية.

 

ويوفر هذا النوع من الأصول ملاذاً آمناً للمستثمرين المؤسسيين والبنوك المركزية والدول الأخرى خلال أوقات الاضطرابات، ورغم العائد المادي الذي لا يتعدى 1% تفضل دول الخليج هذا الاستثمار لأنه شبه معدوم المخاطر كونه بدعم من الحكومة الأمريكية.

 

ومع ارتفاع نسبة المخاطرة يزداد العائد المادي، وعليه تعد السندات من الاستثمارات الأكثر أماناً لقلة عائداتها، والتي إن لم ترتفع فإنها لا تنخفض، ما يمنح المستثمرين المزيد من الثقة في السندات.

 

والأصول تعمل بشكل أساسي على الحفاظ على سلامتها، وكلما زاد عدد المستثمرين الذين يستغلون السندات الحكومية الأمريكية، أصبحت السندات أكثر أمانًا بالنسبة للسندات التي تمثل الديون من الدول الأخرى.

 

وعموماً، يرى الباحثون أن سلامة الموجودات الآمنة تعتمد على معتقدات المستثمرين، فعندما يعتقد المستثمرون أن الأصول ستكون آمنة، فإجراءاتهم اللاحقة قد تجعلها كذلك.

 

وبالتالي، يتجه المستثمرون في دول الخليج نحو السندات الأمريكية على اعتبار أنها من الصناديق الكبرى المطمئنة والمربحة، والناجحة نظراً لقوة اقتصاد الولايات المتحدة وعدم تأثره نوعاً ما بالأوضاع الاقتصادية العالمية.

ومن جهة أخرى، تعد السندات مصدراً هاماً لضخ الأموال الطائلة في الاقتصاد الأمريكي وتعزيزه عبر توظيف هذه الأموال بشكل مجدي.

أسعار الفائدة وتأثيرها على منحنى العائد

وتأتي زيادة استثمارات تلك الدول الخليجية في أذون الحزانة الأمريكية، تزامناً مع رفع الفيدرالي الأمريكي معدلات الفائدة ثلاث مرات خلال العام الماضي.

 

وتعد مدة محفظة السندات مقياساً لحساسية سعر السند لتغيرات أسعار الفائدة، فالسندات طويلة الأجل تتمتع بحساسية أعلى تجاه تقلب أسعار الفائدة ، والعكس صحيح، على سبيل المثال، من المتوقع أن تتغير قيمة محفظة السندات التي تبلغ مدتها خمس سنوات بنسبة 5% لتغير 1% في أسعار الفائدة.

 

الاستفادة من درجة التصنيف الائتماني

 

السندات الأمريكية من الاستثمارات ذات التصنيف الائتماني العالي، إذ تبني وكالات التصنيف الائتماني العالمية (فيتش – موديز – ستاندرد آند بورز) تصنيفها على أساس احتمال سداد التزام الديون، ويمكن أن تقدم التقلبات في هذه التصنيفات الائتمانية فرصة تداول.

 

في تجارة ترقية درجة الائتمان، يحاول المستثمر التقاط هذه الزيادة المتوقعة في السعر عن طريق شراء السندات قبل رفع مستوى التصنيف، ومع ذلك، يتطلب النجاح في هذا الاستثمار امتلاك المهارات في إجراء تحليل الائتمان، ويمكن أن يؤدي الارتفاع من حالة السندات غير المرغوب فيها إلى درجة الاستثمار إلى تحقيق أرباح كبيرة للمتداول.

 

ارتفاع مستوى السيولة

 

تتمتع السندات الأمريكية بسيولة عالية، ما يجعها أداة مالية سهلة التعامل، ففائض سيولة البنوك الذي ينتقل من البنوك إلى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، يجعلها تزيد من حيازات السندات الأمريكية نظراً لقلة المخاطر، فضلاً الرغبة في تنويع الأصول والاستثمار بأدوات ذات سيولة عالية كالسندات.

 

ويبدو أن هذه الدوافع تختلف بالنسبة للصين المتصدرة لامتلاك السندات الأمريكية، إذ يرى المحللون والخبراء، أن هناك أهداف تجارية بحتة تقف وراء هذا الاستثمار، ومنها الحفاظ على معدل منخفض لسعر صرف اليوان، ما يعزز من تنافسية صادراتها.

 

وفي ظل النزاع التجاري يبقى من المعروف إذا كان توجه الصين نحو التخلي عن حيازاتها للسندات الأمريكية سيؤثر عليها أم على الولايات المتحدة، فإذا أتاحت بكين المجال لصعود عملتها سيؤدي إلى تكبد أمريكا ديون هائلة وزعزعة الثقة باقتصادها، فيما سيكون تراجع قيمة الدولار أمراً إيجابياً للصادرات الأمريكية.

 

أخيراً، تتعامل المال بحساسية شديدة عند الحديث عن السندات الأمريكية سواء من ناحية  قيمة عوائدها، لكن فهم وإدراك الدافع وراء تداول السندات والعمل عليه ومتابعته بدقة والاستفادة من العوامل المحيطة به سيجعله استثماراً ناجحاً.